لأول مرة، منذ تشكيل حكومة عزيز أخنوش قبل سنة و8 أشهر، بدأت تطفو إلى السطح بعض الخلافات داخل بيت الحكومة الذي تحرص أركانه الثلاثة على عدم إخراج أي شيء يمكن أن يمس وحدتها وانسجامها التام، إذ شذ حزب الأصالة والمعاصرة عن القاعدة وعبر عن امتعاض كبير لوزرائه من طريقة تعاطي رئيس الحكومة مع الملفات والبرامج الخاصة بالحقائب التي يتولاها “البام”.
ووفق معطيات حصلت عليها جريدة الفرشة تيفي الإلكترونية، فإن قيادة “البام” توقفت، في اجتماع المكتب السياسي للحزب المنعقد الأسبوع الماضي، بشكل مستفيض عند الموضوع، حيث عبر وزراء حزب “الجرار” عن “غضبهم” من وتيرة التفاعل والتجاوب البطيء الذي يبديه رئيس الحكومة مع مطالبهم ومشاريع القوانين التي تهم تدبير الوزارات التي يشرفون عليها.
بوادر أزمة
أفادت المعطيات السالفة بأن أزمة صامتة داخل الحكومة بدأت تخرج تفاصيلها إلى العلن وأن حزب الأصالة والمعاصرة بدأ ينفد صبره، خصوصا مع الوعود الكثيرة التي أطلقها عبد اللطيف وهبي، أمينه العام ووزير العدل، بتحقيق تعديلات على مستوى مدونة الأسرة ومشروع القانون الجنائي، والتي لا يظهر أن باقي مكونات الحكومة تشاطره نفس الرأي فيها.
مصدر قريب من قمرة قيادة حزب “البام” أكد لجريدة الفرشة تيفي الإلكترونية أن “الأمور التي خرجت إلى العلن بخصوص امتعاض وزراء الحزب من رئاسة الحكومة غير مرتبطة بوزير العدل لوحده، بل بجميع وزراء الحزب الذين يشعرون بنوع من البلوكاج يقف أمام مبادراتهم ومشاريعهم”.
وأفاد المصدر، الذي لم يرغب في ذكر اسمه، بأن الموقف الذي عبر عنه الحزب “رسالة إلى من يهمه الأمر من أجل تغيير طريقة التعامل مع وزراء الحزب وتسريع التجاوب مع ملفاتهم الكثيرة على طاولة رئاسة الحكومة”، مشبها الأمر بـ”رسالة تحذيرية وجرس إنذار ينبغي التقاط إشاراته”.
وشدد المصدر ذاته على أن هذا الأمر لا يحتمل أي قراءات أخرى يمكن أن تربطه بوجود رغبة لدى الحزب في الخروج إلى المعارضة أو ما شابه ذلك من السيناريوهات، “نحن متمسكون بالعمل داخل التحالف الحكومي، ونطالب بالمساواة في التعامل مع وزرائنا داخل الحكومة”.
موقف “البام” المثير أثار حالة من “الدهشة والاستغراب” داخل حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث اعتبر أحد برلمانيي حزب “الحمامة” أن هذا الأمر “غير مقبول من طرف حزب حليف داخل الحكومة”.
وأضاف المصدر، الذي لم يرغب في ذكر اسمه، أن وزراء حزب الأصالة والمعاصرة إذا كانوا يشعرون بنوع من “التهميش داخل الحكومة يجب أن يتحلوا بالشجاعة والمسؤولية ويطرحوا الأمر للنقاش في اجتماع المجلس الحكومي”، لافتا إلى أن هذا الكلام “ثقيل ولا ينبغي أن يمر مرور الكرام”، في إشارة إلى أن حزب التجمع الوطني للأحرار مطالب بالرد على الموقف الأخير للحزب الحليف.
زوبعة في فنجان
عبد الرحيم العلام، المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، اعتبر أن موقف وزراء حزب الأصالة والمعاصرة يحتمل مجموعة من القراءات، ويمكن أن يكون مجرد “زوبعة في فنجان الحكومة”.
وأضاف العلام، في حديث مع جريدة الفرشة تيفي الإلكترونية، أن الخطوة التي أقدم عليها “البام” تشكل محاولة لإظهار أن الحكومة “فيها نقاش وسجال بين مكوناتها، وربما عدم توافق بين الأمين العام الحالي للبام ورئيس الحكومة، لأنهم في الأصل غير متوافقين”.
وتابع المحلل السياسي ذاته موضحا أن الخلاف الذي برز بين وهبي وأخنوش في مرحلة ما قبل الانتخابات يمكن أن “يرجع ويطفو على السطح مرة أخرى، إذا كانت هناك رغبات من باب خروج الحزب إلى المعارضة وتقويتها”، مذكرا بما حدث في عهد حكومة عبد الإله بنكيران وخروج الاستقلال إلى المعارضة.
وتساءل أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش عن إمكانية تكرار هذا السيناريو؛ لكنه في الآن ذاته اعتبر أن هذا الأمر “ليس مسألة حزبية، بل تتجاوز الأحزاب بوجود رغبة لدى الدولة في إعادة هيكلة المشهد السياسي وإعادة ترتيب الأوراق”.
وسجل المتحدث ذاته بأن غضب وزراء الأصالة والمعاصرة من تجميد مشاريع قوانين تتعلق بقطاعاتهم الوزارية، سواء فيما يتعلق بمدونة الأسرة أو القانون الجنائي، أو دعم السكن الموجه مباشرة للأسر، هي مشاريع “ذات طبيعة تتجاوز رئيس الحكومة نفسه ولا يمكن أن يتحكم فيها وأكبر منه، كمدونة الأسرة مثلا، والبام يعرف هذا جيدا، ويريد أن يبقي الأمر ويوقفه عند رئيس الحكومة، الذي لم يتلق الضوء الأخضر من أجل البت في هذه الأمور”.
تعزيز الموقع التفاوضي
من جهته، قال إسماعيل حمودي، المحلل السياسي وأستاذ القانون بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إن الشكاوى التي عبر عنها وزراء حزب الأصالة والمعاصرة اتجاه رئيس الحكومة عزيز أخنوش تعد “أول خلاف يتم التعبير عنه علنا وفي بيان رسمي بين مكونين أساسيين في الائتلاف الحكومي”.
وأفاد حمودي، في اتصال مع جريدة الفرشة تيفي الإلكترونية، بأنه من خلال استحضار السياق الحكومي في قراءة موقف حزب “البام” يكتشف “امتعاض الوزير وهبي، بشكل خاص، اتجاه رئيس الحكومة بسبب التحفظ على قوانين إصلاح العدالة، والتي يشعر وهبي بأنها لا تحظى بالتوافق سواء بين مكونات الحكومة أو خارجها، وربما يكون مصيرها التجميد”.
وأضاف حمودي أن الغرض من موقف وزراء “البام” هو “إسناد رئيس حزبهم، لأنه الوحيد الذي اشتكى من العرقلة؛ بينما لم نسمع أي وزير آخر من الحزب اشتكى تجميد مشاريعه أو عرقلتها قبل الموقف الجماعي”، مؤكدا أن هذا المعطى يدفعنا إلى أن نستنتج أن الموقف الجماعي لوزراء “الجرار” هدفه الأساس “جر أخنوش إلى التفاوض على الأغلب، وفي حال رفض أخنوش، ربما يلجأ وزراء “البام” إلى أساليب أخرى في الضغط مستقبلا”.
وردا على سؤال حول إمكانية الحديث عن بوادر أزمة في التحالف الحكومي يمكن أن تعصف؟ استبعد حمودي ذلك، مشددا على أن حزب الأصالة والمعاصرة “يريد التفاوض وليس الانسحاب من الحكومة. وكل حزب يبحث فيها عن مصالحه من داخل الحكومة وليس من خارجها”.
كما اعتبر المحلل السياسي ذاته أن الهدف من الخطوة هو تعزيز الموقع التفاوضي في “أي تعديل حكومي قادم ويحافظ على أهم الحقائب التي يقودها، وسيقف ضد أية محاولة لإشراك الاتحاد الاشتراكي، إلا إذا كان للجهات العليا رأي آخر”، لافتا إلى أن التعديل الحكومي “ليس بالضرورة أن يرفع من عدد الأحزاب، وإنما تغيير في الفريق واستبدال الوزراء الذين لم ينجحوا في تحقيق التغيير في قطاعاتهم”، وفق تعبيره.