بحلول يوم 14 ماي من كل سنة، تحتفي القوات المسلحة الملكية بذكرى التأسيس، التي وافقت هذه السنة تخليد الذكرى السابعة والستين؛ وهي مناسبةٌ تكتسي رمزية خاصة مستحضرة التحديات الجسام التي يرفعها المدافعون والمدافعات عن حوزة الوطن ووحدته الترابية، لا سيما في ظل سياق جيوسياسي دولي وإقليمي متسارع.
ولم يفوّت الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، مناسبة الذكرى دون توجيه “الأمر اليومي” إلى القوات المسلحة الملكية، كما دأب على ذلك سنويا، مُشيدا بالمهام النبيلة المتواصلة التي تقوم بها هذه المؤسسة في خدمة الوطن ودفاعا عن وحدته الترابية.
ذكرى هذه السنة تميزت بأمر ملكي بـ”إنشاء المركز الملكي للدراسات وأبحاث الدفاع التابع للكلية الملكية للدراسات العسكرية العليا”؛ بينما أوكلت إليه “مهمة المساهمة في تكريس ثقافة المقاربة الاستراتيجية في التعامل مع إشكاليات وتحديات منظومة الدفاع والأمن، في أبعادها الشاملة، وخلق فضاء للكفاءات التحليلية المدنية والعسكرية”.
ويأتي إنشاء هذا المركز موازاة مع “برامج التطوير والبحث العلمي، التي تم إطلاقها بشراكة مع الجامعات والمعاهد المغربية من أجل الانخراط في السيرورة التي يعرفها التطور الصناعي الوطني”.
على امتداد تطوره التاريخي، ظل الجيش المغربي في موقف يسمح له بـ”القدرة على استشراف المستقبل وضرورة التأقلم مع مستجداته الطارئة وكذا القيام بمهام متعددة ومتنوعة في كل الظروف والأوقات”؛ وبهذا الشأن دعا الملك إلى “العمل المتواصل على تطوير منظومة التخطيط والقيادة مع تفعيل شبكة واسعة من وسائل الاتصال والمعلوماتية من أجل تنفيذ المهام الأساسية بانضباط واحترافية”.
مواكبة التحولات
طالما عملت مؤسسة القوات المسلحة الملكية على تحسين جودة تكوين العنصر البشري، ذكورا وإناثا، بشكل يمكنها من إنجاز مهام رفيعة على المستويين الأمني والعسكري، مراكمة بذلك خبرات وتجارب في مجال تدبير المخاطر والأزمات، وطنيا (المساهمة في مكافحة حرائق الغابات وتدبير أزمة الطوارئ الصحية إبان الجائحة) ودوليا (المساهمة الفاعلة في أكثر من منطقة نزاع ضمن القبعات الزرق للأمم المتحدة).
الأمر اليومي إلى مختلف مكونات القوات المسلحة الملكية (البرية والجوية والبحرية والدرك الملكي) عَكَسَ الوعي العميق للمغرب بـ”التحولات الجيوستراتيجية التي تشهدها الساحة الدولية”، والتي تقتضي، علاوة على اليقظة الدائمة والتكيف المستمر، مقاربة عقلانية، كيفا وكما، بغية تعزيز القدرات الدفاعية والعملياتية واللوجيستيكية.
كما أكد على “امتلاك الإمكانيات التقنية الحديثة في مجالات حساسة تشمل إدارة العمليات ونظم الدفاع والرصد والرقمنة، والتي تستوجب إعداد وتأهيل العنصر البشري لمواكبة التغيرات”.
استجابة للتطورات
اعتبر محمد شقير، الباحث المختص في شؤون المؤسسة العسكرية، أن “القرار الملكي بإنشاء مركز لأبحاث ودراسات الدفاع، المتضمن في الأمر اليومي إلى القوات المسلحة الملكية في ذكرى تأسيسها الـ67، يستجيب للتطورات التي عرفتها المؤسسة العسكرية المغربية على مدى أكثر من ستة عقود من التطور للنهوض بمهامها على أكمل وجه”.
وأوضح شقير، في تصريح لجريدة الفرشة تيفي الإلكترونية، أن “المتابع لمسار المؤسسة العسكرية بالمغرب، منذ 1956 تاريخ تأسيسها، يلحظ هذه التطورات متمثلة على أصعدة ومستويات مختلفة؛ سواء من حيث تطوير ترسانتها العسكرية وتحديثها، أو السياق العام بشقيْه الدولي أو الإقليمي”.
وأكد الخبير ذاته أن “التطورات الجارية على الساحة الدولية تفرض على المؤسسة أن تتوفر على دراسات وأبحاث رصينة تُحلل الأوضاع التي تتفاعل في محيطها”، لافتا إلى أن “المركز الملكي للدراسات وأبحاث الدفاع سيسمح بإمكانية أن تستبق القوات المسلحة الملكية كل هذه التطورات وتقرأ مساراتها الممكنة، على غرار باقي المؤسسات المساهمة في خدمة الوطن والمواطنين”.
“القوات المسلحة المغربية وصلت إلى مرحلة تَملك هذا المركز والاشتغال به واعية أنه أصبح ضرورة”، سجل شقير في حديثه لالفرشة تيفي، مردفا بأن “هذا هو ما استجاب له الملك بصفته قائدا أعلى رئيس أركان الحرب العامة”.
“تَمرس” يقارب 7 عقود
عن استحضار رمزية الذكرى وسياقات الاحتفاء بها، أكد شقير أنها “تعكس أكثر من ستة عقود من الإنشاء والتطوير”، واصفا إياها بأنها “فترة كافية للنظر في المسار وتقييمه مع السعي الدائم إلى تطوير العمل من أجل الدفاع عن حوزة البلاد وأمن المغاربة.. كما أنها مدة كافية تؤكد التطور الذي عرفته المؤسسة العسكرية المغربية لا سيما على صعيد دعم المكونات البشرية بشكل كبير؛ من خلال العدد أو العتاد أو التكوين”.
واستدل المتحدث بما وصفه “تفاعُل مؤسسة الجيش مع مؤسسات عالمية من دول كبرى لها باع طويل في المجال العسكري والاستراتيجي”، خاصا بالذكر الولايات المتحدة الأمريكية التي ستقود خلال نهاية ماي الجاري وبداية يونيو المقبل مع دول كبرى النسخة الـ19 من مناورات “الأسد الإفريقي” التي تضم أعتى الجيوش وأكثرها تطورا وفاعلية”، موضحا بأن هذه المناورات “دليل ثقة دول كبرى في تجربة وتمرس الجيش المغربي”.
وخلص شقير إلى أن “ريادة وتجربة القوات المسلحة، بمختلف تشكيلاتها وعناصرها، جعلها كقوة إقليمية في المنطقة تزداد تمرسا مع فتح المجال أمامها للاستفادة من خبرات دولية في المجالات العسكرية، علاوة على مشاركتها الفاعلة في مناطق تواجد قوات أممية لحفظ السلام”.
التخطيط والقيادة
نسَج عبد الرحمان مكاوي، الأكاديمي المختص في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية، مؤكدا أن “الأمر اليومي بمناسبة الذكرى الـ67 يكتسي أهمية خاصة؛ لأنه اتسم بالشمولية ومواكبة التطورات العالمية، سواء ميدانيا أو تكنولوجيا أو بحثيا أو تكوينا”.
وفي تصريح لالفرشة تيفي، أكد مكاوي أنها دعوة ملكية صريحة إلى “إعادة النظر في الأساليب الحديثة للسيطرة والقيادة والتخطيط في المجال العسكري”، مضيفا: “جلالة الملك أراد أن يرفع من مستوى القيادة وقدراتها على الانسجام بالنسبة للقوات المغربية إلى مصاف الجيوش العالمية والأوروبية، من خلال تركيزه على التخطيط والقيادة الحديثة والتطور اللوجستي والمعلوماتي الذي يتيحه التواصل الحديث”.
استشراف المخاطر
الخبير العسكري ثمّن خطوة إحداث مركز ملكي لدراسات وأبحاث الدفاع، لافتا إلى أنه “سيتكون من شقيْن تكويني وبحثي، كما سيشمل مختلف كليات التعليم والتكوين العسكري بالمغرب”. وزاد موضحا: “هذه الخطوة تأتي بهدف استشراف المستقبل والتحولات الاستراتيجية التي تعرفها المنطقة والعالم، والتي تقتضي اليقظة وتكوينا علميا حديثا ومتطورا ضد مخاطر تتطور بسرعة”.
“المغرب أصبح لاعبا مهما في المجال العسكري والاستراتيجي عبر شراكات متقدمة في مجال الدفاع والتكنولوجيا العسكرية”، أورد مكاوي في حديثه مع الفرشة تيفي قبل أن يؤكد أن “المملكة أضحت تتوفر على جيش اقتنى أسلحة متطورة من الجيلين الرابع والخامس، كما أنه يحتك مع أحدث التقنيات والجيوش عبر مناورات قارية وعالمية تواكب تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والحروب السيبرانية”.
وخلص مشددا على “أهمية التجديد والابتكار والتحديث الذي سيسمح به المركز في الحفاظ على الريادة الإقليمية للقوات المسلحة الملكية”، بالموازاة مع “الرضا الملكي عن نجاح تجربة الخدمة العسكرية”.