في ظرف قصير جدا، توالت أنباء انتحار مسجونين على خلفية قضايا مرتبطة بالإرهاب بمختلف ربوع المملكة؛ كانت البداية مع السجين “خ. ع” المعتقل بالسجن المحلي بوجدة في نهاية فبراير الماضي، تلاه انتحار السجين “م. ق” بالسجن المحلي رأس الماء في فاتح مارس الماضي، ثم انتحار ثالث في أواخر مارس.
المندوبية العامة لإدارة السجون أعلنت تسجيل ثلاثة انتحارات في ظل حوالي شهر واحد، موضحة أن انتحار السجينين الأولين كان باستخدام قطعة قماش قاما بانتزاعها من ملابسهما وربطها إلى نافذة الغرفة، فيما لم تحدد طريق انتحار الشخص الثالث.
وفي هذا الإطار، قال عبد الله مسداد، الكاتب العام للمرصد المغربي للسجون: “لا وجود لأي تقييم للوضع الحالي سوى أن الحالات الأخيرة كلها متابعة في قضايا تتعلق بالإرهاب”، مضيفا أن “الانتحار يستدعي البحث وطرح عدد من التساؤلات حول المنتحرين وحول قضاياهم”.
وتابع مسداد، ضمن تصريح لالفرشة تيفي، بأن “الحالات تختلف من قضية لأخرى، لهذا يجب البحث عن الأسباب الحقيقية وراء أي وفاة لأخذ كل الاحترازات لحماية الحق في الحياة”، مؤكدا أن “أي حالة وفاة تستدعي التحقيق والكشف عن الأسباب الكامنة وراءها”.
من جانبه، قال منتصر حمادة، باحث في مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، إن “حالات الانتحار هذه تطرح العديد من الأسئلة، سواء على الحالة النفسية والروحية للمعتقلين المعنيين، أو أسئلة على أهل البحث العلمي في الاشتغال على الموضوع، وإن كان الاشتغال على قضايا التطرف العنيف يتميز في الساحة المغربية بالتواضع النوعي مقابل غلبة الكم”.
وأوضح حمادة، في تصريح لالفرشة تيفي، أنه “بخصوص الأسئلة الخاصة بالمعتقلين، فالمعلوم أساسا أن الانتحار فعل محرم في المدونة الفقهية عند المسلمين، وتبقى صورة صاحبه سيئة لدى مخيال الرأي العام، وإن كان المخيال نفسه يدعو للمعني بالرحمة، لكن اللجوء إلى فعل الانتحار أمر لا مفكر فيه إجمالا. وبالرغم من ذلك، نعاين الظاهرة في المجتمع وفي العالم بأسره”.
وأشار إلى أن “ما يدفع لطرح أسئلة هنا، أن من المفترض نظريا أن تكون نسبة اللجوء إلى الانتحار عند المتديّن الملتزم أو الإسلامي الحركي، حسب الاصطلاح المتداول، متواضعة، أخذا بعين الاعتبار مؤشر التدين لديه، إلا أننا نعاين مع هذه الحالات صورة مغايرة، مما يقتضي التدقيق في الحالة النفسية لهؤلاء، وكذا الحالة الروحية”.
وذكر حمادة بأن مشروع المصالحة الذي تبنته الدولة المغربية بخصوص إعادة إدماج المعتقلين الإسلاميين، والذي أصبح يحظى بإشادة إقليمية ودولية، يتضمن في تفاصيله المواكبة النفسية، وذلك منذ سنة 2016، “بمعنى أن الجمع بين دور هذه المواكبة وتأثير التربية الدينية، كان المفترض أن يعفينا من توقع حدوث هذه الحالات، ولذلك يصعب الحسم في أجوبة شافية وكفيلة بتفسير أسباب ما جرى، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الفوارق بين خصوصية كل حالة، لأنه يعصب علميا اختزال الموضوع في قراءة نمطية صالحة للإسقاط على مجمل تلك الحالات”.
من جانبه، قال عبد الوهاب رفيقي، باحث في الدراسات الإسلامية، إن “تتبع بروفايلات المعتقلين الذين أعلن عن انتحارهم، يظهر أنهم من ذوي متهمين بارتكاب جرائم خطيرة أغلبها القتل”.
وأضاف رفيقي، ضمن تصريح لالفرشة تيفي، أن “الصراع النفسي الذي يعيشه المعتقلون داخل زنازينهم وبين معتقداتهم الدينية والأيديولوجية، يجعل نفسيتهم هشة ويؤدي بهم إلى الانتحار”، مفيدا بأن الأمر يتعلق بـ”صراع يؤدي إلى تحولهم إلى مرضى نفسيين ومصابين بمرض عقلي، إذ يتم تجاوز المعتقدات وتفضيل الموت على الصراع النفسي الذي يعيشونه داخل الزنزانة”.