سلطت دراسة حديثة نشرها مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية، خلال أبريل الجاري، الضوء على ظاهرة صعود اليمين المتطرف في أوروبا وخرائط انتشاره وتأثيره، أعدها الباحث محمد عصام لعروسي.
الدراسة التي حصلت الفرشة تيفي على نسخة منها، رجحت أن يدفع صعود اليمين الأوروبي إلى إعادة تشكيل خريطة التحالفات السياسية في القارة العجوز، سواء على المستوى التشريعي والتنفيذي أو على مستوى تحديد الأولويات بالنسبة للحكومات الأوروبية.
وأفادت الدراسة بأن الحكومات الأوروبية تصارع مـن أجل تصحيح مسار الاندماج الأوروبي، خاصة وأن التيارات اليمينية تقف موقف المشـكك فـي الاتحاد الأوروبي، لكنها في الوقت نفسه “لا يمكن لها تغيير قواعد اللعبة السياسية بالكامل، وتحاول الاستفادة مـن الاتحاد للخروج من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، لكن دون التخلي عن الطموحات القومية السيادية ومواقفها من الهجرة والمهاجرين”.
تحالفات غير واضحة
على المستوى الدولي، أكدت الدراسة أن الحكومات الأوروبية اليمينية المتطرفة “لا تستطيع أن تغير من واقع التحالفات مع العديد من دول الشـرق الأوسط، بل قد تسجل تقاربا كبيرا مع العديد من الأنظمة السلطوية والأبوية في المنطقة”.
وزادت الدراسة موضحة أن طبيعـة التحالفـات وتداعياتهـا على الطرفين، سواء الأوروبي أو الشــرق أوســطي، “ما زالـت غير واضحة بشكل كبير، وستظل ملامحهـا رهينـة بالتطـورات التـي قد تحدث في المستقبل، وخاصة على مستوى جاذبية المصالح الأوروبية واحتياجاتها المتزايدة من النفط والغاز وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية”.
كما اعتبرت أن الحرب الروسية الأوكرانية تجعل الحكومات الأوروبية تراهن، من جهة، على دول الشرق الأوسط للاستفادة من “الخيـرات الاقتصاديـة للمنطقـة”، وعلى “ضمان الاسـتقرار والأمن فيها”، مـن جهـة أخـرى، “للتحكم والحد من الهجرة غير النظامية وتدفق اللاجئين نحو أوروبا”.
وبشأن انعكاسات وصول أحزاب اليمين المتطرف إلى الحكم على المشهد السياسي في أوروبا، سجلت الدراسة أن السمة الرئيسية الغالبة على الجماعات والأحزاب المنضوية تحت لواء اليمين المتطرف بشكل عام، سواء أكانت أحزابا داخل السلطة أم أخرى معارضة لها، هي تلك الأبواق التي “تتحدث دوما عن وجود تهديد عرقي أو ثقافي ضد العرق الأوروبي، والقادم من قبل مجموعات دخيلة على المجتمع، وعن ضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية، ودائما ما تأتي منها سياسة اليمين المتطرف التي تعارض الهجرة والمهاجرين بشدة”.
تصاعد الإسلاموفوبيا
وتابعت الدراسة: “أضف إلى ذلك سياسة التحيزات الدينية؛ إذ تعتبر الأحزاب اليمينية نفسها موكلة للدفاع عن الديانة والقيم المسيحية في مواجهة الديانات الأخرى”، وهو الأمر الذي يثير “صراعات وانتقادات للديانات الأخرى ومعتنقيها، وخاصة الدين الإسلامي، ومن ثمّ يستمر الترويج لفكرة أنهم يشكلون بؤرا للإرهاب، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا في مختلف أرجاء أوروبا أكثر وأكثر”.
وأفادت الدراسة بأن بروز اليمين المتطرف في أوروبا تزامن مع ظهور “الإسلاموفوبيا في المجتمعات الأوروبية في السنوات الأخيرة”، كما اعتبرت أن مخاوف الجاليات المسلمة في أوروبا، أو المهاجرين عامة، قد تتضاعف مع سعي بعض الحكومات الأوروبية في ظل تصاعد الأحزاب اليمينية، و”اتساع القاعدة الشعبية المؤيدة لها يوما بعد يوم بشكل ملحوظ، للمزايدة على ما تطرحه أحزاب اليمين المتطرف، عبر تبني خطاب يتماهى مع خطاب تلك الأحزاب، بهدف استعادة الأصوات الانتخابية التي استحوذ عليها اليمين مؤخرا، الأمر الذي قد يدفع الحكومات إلى اتخاذ خطوات ضد الجاليات المسلمة لتعزيز موقعها في الشارع الانتخابي”.
واستدلت الدراسة بتصريح سابق للرئيس الفرنسي في أواخر 2020، تضمن إشارة “مقلقة” حيال هذا الأمر، حينما قال: “إن مسلمي فرنسا يشكلون مجتمعا مضادا”، وإن الإسلام يواجه “أزمة في مختلف دول العالم، علما بأن عدد مسلمي فرنسا تجاوز 6 ملايين مواطن وفقا للبيانات الرسمية”.
ورأت الدراسة أن صعود اليمين الراديكالي إلى هياكل الاتحاد، وخاصة السلطة التشريعية التي يمثلها البرلمان الأوروبي، يمكن اعتباره بمثابة “تهديـد محتمـل لتماسك التكتـل الأوروبي، كما من شأنه زيـادة النزعـة المتطرفـة، خاصة في ظل التنسيق في الأوساط السياسية في أوروبا بوجه عام والمتبادل بين التكتلات اليمينية في مختلف أنحاء القارة، كما هو حاصل بين بولندا وإيطاليا والمجر”.
معاداة المهاجرين
أكدت الدراسة أن المواقـف التـي تبنتهـا أحـزاب اليمين المتطرف، مثل “البديـل مـن أجـل ألمانيـا” و”الجبهــة الوطنيــة” فــي فرنســا و”الحريــة” في النمســا وهولنــدا و”الشــعب” فــي سويســرا، وغيرهــا، ضد الهجرة والمهاجرين، تبين مدى رفضها للآخر وحقدها عليه.
وسجلت أن الأحزاب ذاتها اعتبــرت أن “اللاجئيــن والمهاجريــن المسـلمين يشـكلون خطـرا علـى المجتمعـات الأوروبيـة يجـب مواجهتـه”، بـل وتمادت بعض الأصوات المتطرفة في رفع شعارات “أوروبا خالية من الإسلام”.
وذكرت الدراسة عددا من الآراء التي تعبر عن حقيقة التيـارات المتطرفة التي تعتمـد بالأسـاس علـى عـدد مـن العبارات التي وردت على لسان قادتها، من أبرزها “إغلاق الحدود بشكل كامل أمام دخول لاجئين جدد إلى الأراضي الأوروبية، وإعطــاء تعليمات لحرس الحدود لإطلاق النار على أي مهاجر أو لاجئ يحاول الدخـول بشـكل غيـر شـرعي إلى البـلاد”، كمـا جـاء علـى لسـان فـروك بتـري، رئيـس حـزب “البديل من أجل ألمانيا”.
الدراسة أشارت أيضا إلى تضييق الحكومات اليمينية المتطرفة الخناق على الإعانات التي تقدمها الحكومة للمهاجرين، بما في ذلـك الرعاية الصحية وخدمات أخرى، إلـى جانـب تقليـل أعداد طالبي اللجوء، بالإضافة إلى غلــق جميــع المــدارس الإســلامية المنتشــرة فــي الــدول الأوروبيــة، والتضييق على الجمعيــات الإســلامية التــي تقــدم خدمــات للاجئيــن والمهاجريــن المســلمين، مع عــدم الســماح بإقامــة مزيــد مــن المســاجد، وعــدم الســماح بممارســة الشــعائر الدينية الإسلامية.