ورقة بحثية تقتفي آثار "شراكة غير مرئية" في العلاقات بين الهند والمغرب

ورقة بحثية تقتفي آثار "شراكة غير مرئية" في العلاقات بين الهند والمغرب

قاربت ورقة سياسات حديثة الإصدار عن “مركز السياسات للجنوب الجديد(PCNS) ” موضوع العلاقات بين الهند ومنطقة شمال إفريقيا (خاصة المملكة المغربية)، وخلصت إلى “تزايد النفوذ غير الملموس لهذه القوة الآسيوية بمعظم دول المنطقة”.

“على الرغم من افتقارها إلى سياسة إقليمية مميّزة أو خاصة تجاه شمال إفريقيا، عززت الهند علاقاتها الثنائية مع هذه البلدان، مدعومة بالتزام ثابت بمبدأ التعاون جنوب- جنوب”؛ هكذا عبّر مؤلِّفا الورقة عن أبرز خلاصاتهما البحثية.

وتحت موضوع “الشريك غير المرئي لشمال إفريقيا.. استكشاف التأثير السياسي والاقتصادي للهند في المنطقة”، اختار الباحثان المختصان في العلاقات الدولية، عبد السلام جَلدي وحمزة امجاهد، وضع “تزايد الحضور الهندي” في خمس دول شمال إفريقية، هي المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر، تحت مجهر الدراسة والتحليل.

من خلال تحركاتها الاستراتيجية في شمال إفريقيا، أوضحَ الباحثان أن الهند أنشأت “محوراً جنوبياً- غربياً قويا لسياستها الخارجية التي تمتد من إيران إلى المغرب، مما يمكّنها، بفعالية، من تغطية منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط بأكملها”.

وتَتبّعت هذه الورقة، المنشورة في حوالي 20 صفحة باللغة الإنجليزية، مسار علاقات الهند مع شمال إفريقيا، من “نهج أيديولوجي إلى نهج أكثر واقعية يركز على التعاون الاقتصادي والأمني”، مركزة على “المشاركة الاقتصادية” للهند في المنطقة، مما مكّنها من الظهور كأحد أكبر الشركاء التجاريين بالنسبة للمغرب ومصر والجزائر.

“من الأيديولوجيا إلى البراغماتية”

استهلت الوثيقة البحثية، التي تتوفر الفرشة تيفي على نسخة منها، أوّل مَحاورها بما عنونتْه “تتبّع أو رسم مسار العلاقات بين الهند وشمال إفريقيا”، مسجلة أن علاقات الهند المبكرة مع شمال إفريقيا لم تكن سوى نتاج عن “إرث حركة عدم الانحياز”.

وأردفت شارحة “كان مؤتمر باندونغ (1955) بمثابة لحظة فارقة في التزام مشاركة الهند مع منطقة شمال إفريقيا، حيث جمع شخصيات بارزة، بمن في ذلك رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، ومندوبين من مختلف دول شمال إفريقيا، ضمنهم حزب الاستقلال المغربي”.

وقد حددت سياسة الهند للمنطقة في البداية “هدفيْن رئيسيين”، تضيف الورقة، أولهما “كان هو تحديد الوضع المرتقب للمجتمعات الهندية العِرقية المقيمة بشمال إفريقيا”. فيما كانت الأولوية الثانية تتمثل في “تقديم الدعم لحركات التحرر المناهضة للاستعمار (حينذاك)”.

بالإضافة إلى ذلك، فإن دولة الهند- يتابع الباحثان المغربيان المختصان في العلاقات الدولية- لجأت، ولا تزال، إلى “تنويع الروابط والعلاقات”، مشيرين إلى أن ذلك كان بمثابة “نهج متعدد الأبعاد تجاه شمال إفريقيا”، ما فتئت نيودلهي تسير على خطاه.

وعلى هذا النحو “أدرجت السياسة الخارجية الهندية في شمال إفريقيا طموحَها لتوسيع العلاقات الاقتصادية، لكن في الوقت نفسه ظهرت عوامل أخرى، بما في ذلك تنويع الواردات، وعزم الصين على دمج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مبادرة الحزام والطريق”، وفق المصدر ذاته.

المغرب والهند.. علاقات متجذرة

في معرض حديثها عن العلاقات مع دول شمال إفريقيا، أفردت ورقة السياسات ذاتها حيزا هاماً للحديث عن تطور العلاقات السياسية بين المغرب والهند، وأوضحت أنه “يمكن إرجاع الروابط التاريخية بين الهند والمغرب إلى القرن الـ14 عندما قام المستكشف والكاتب الشهير ابن بطوطة من طنجة برحلته إلى الهند”.

في الأزمنة المعاصرة، “طالما شكلت الهند دعماً نشطًا لحركة الاستقلال والحركة الوطنية بالمغرب من داخل منظمة الأمم المتحدة”؛ كما لم تتوان عن “تسجيل اعتراف فوري باستقلال المملكة بمجرد نيلها الاستقلال عام 1956″، تسترسل الورقة ذاتها.

ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية عام 1957، ظلت العلاقة بين الهند والمغرب “ودّية”، تؤكد الورقة قبل أن تستطرد بأن “الشراكة بين البلدين اكتسبت زخماً ملحوظًا منذ تولي الملك محمد السادس العرش”. ونتج عن لقاء العاهل المغربي مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عام 2015 “الارتقاء بالعلاقات الدبلوماسية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية”.

ومنذ ذلك الحين “كان هناك ما لا يقل عن 23 زيارة لوزراء في كِلا الاتجاهين، مما أثمر توقيع أكثر من 40 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجال مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني والزراعة والتدريب المهني، بما يؤكد أهمية الشراكة”، وفق معطيات أوردها الباحثان في العلاقات الدولية.

علاقات عسكرية “أوثق”

في الآونة الأخيرة نوّع المغرب مشترياته العسكرية من خلال “إقامة علاقات أوثق مع السوق الهندية”. وللتدليل على ذلك استحضرت ورقة السياسات “ما قدمته الشركة المصنعة الهندية “TATA Advanced Systems” من شاحنات نقل عسكرية تكتيكية “LPTA-715″ إلى الجيش المغربي عام 2022، إلى جانب 90 شاحنة نقل تكتيكية من طراز TATA LPTA 2445 6×6″”.

وسجلت الورقة ذاتها أن التعاون العسكري بين المغرب والهند أخذ “شكلًا أكثر تنظيماً ومأسسة”، لافتة إلى إجراء المغرب والهند مناورات عسكرية مشتركة في 2021، فيما شارك المغرب في الحوار الدفاعي الثاني بين الهند وإفريقيا في أكتوبر 2022، كما شاركت القوات المسلحة المغربية في التدريبات الميدانية الهندية- الإفريقية الثانية في مارس 2023، والتي ركزت على عمليات حفظ السلام والعمل الإنساني.

ويؤكد تنويع المشتريات العسكرية المغربية والتزامها المتزايد مع الهند “الجهود الاستراتيجية للبلاد لتوسيع شراكاتها العسكرية إلى ما وراء حلفائها التقليديين”، تسجل الورقة في خلاصتها.

نمو التجارة الثنائية

اقتصادياً، خلص المصدر ذاته إلى “بروز المغرب كشريك أساسي للوجود الاقتصادي للهند في شمال إفريقيا، مما يوفر مصدرا مستقرا للسلع الحيوية وفرصاً استثمارية جديدة”.

وحسب الورقة ذاتها، فقد نمت تجارة الهند مع المغرب “بشكل كبير”، لينتقل حجم التجارة الثنائية إلى أكثر من 3.9 مليارات دولار في 2022، مسجلة زيادة كبيرة بعد أن كانت في حدود 907 ملايين دولار، فقط، سنة 2016.

هذا النمو التجاري جاء “مدفوعاً بواردات الهند من الأسمدة الفوسفاطية المغربية، التي شكلت أولى سلعة مستوردة من شمال إفريقيا خلال 2022”. كما تنوعت صادرات الهند إلى المغرب لتشمل منتجات مختلفة مثل “المنسوجات والمركبات والمستحضرات الصيدلانية والآلات”. ويوفر إنشاء مشاريع مشتركة وفرص استثمارية في قطاعات متنوعة، بما في ذلك الطاقة المتجددة والسياحة والزراعة، مزيدا من الزخم لتعزيز العلاقة الاقتصادية بين البلدين.

أحدث أقدم